فصل: ‏فصل‏:‏ دعوة ملك مصر إلى الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*2*قصة هرقل

*3* ‏(‏فصل‏)‏ إسلام هرقل ملك الشام

وكان ملك الشام أحد أكابر علمائهم بالنصرانية ‏(‏هرقل‏)‏قد عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، وعزم على الإسلام فأبى عليه النصارى، فخافهم على نفسه، وضل بملكه مع علمه بأنه سينقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته‏.‏

ونحن نسوق قصته، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس أن أبا سفيان أخبره من فِيه إلى فِيه، قال‏:‏انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وقد كان دحية بن خليفة جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل‏:‏هل ههنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، فدعا بترجمانه، فقال‏:‏قل لهم إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان‏:‏ وأيم الله، لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه‏:‏ سله كيف حسبه فيكم‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ هو فينا ذو حسب، قال‏:‏ فهل كان من آبائه

‏(‏ص 33‏)‏ من ملك‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ومن اتبعه أشراف الناس أم ضعفاءهم‏؟‏ قلت‏:‏ بل ضعفاؤهم، قال‏:‏ أيزيدون أم ينقصون‏؟‏ قلت‏:‏ لا، بل يزيدون، قال‏:‏ فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له قال‏:‏ قلت‏:‏ لا، قال‏:‏ فهل قاتلتموه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ فكيف كان قتالكم إياه‏؟‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يكون الحرب بيننا وبينه سجالا، يصيب منا ونصيب منه، قال‏:‏ فهل يغدر‏؟‏ قلت‏:‏ لا، ونحن منه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها، قال‏:‏ فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه، قال‏:‏ فهل قال هذا القول أحد قبله‏؟‏ قلت‏:‏ لا، قال لترجمانه‏:‏ قل له أني سألتك عن حسبه، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها‏.‏

وسألتك هل كان في آبائه ملك، فزعمت أن لا، فقلت‏:‏ لو كان في آبائه ملك، لقلت رجل يطلب ملك آبائه‏.‏

وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم‏؟‏ فقلت‏:‏ بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل‏.‏

وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‏؟‏ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله عز وجل‏.‏

وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له‏؟‏ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب‏.‏

وسألتك هل يزيدون أم ينقصون‏؟‏ فزعمت أنهم يزيدون‏؟‏ وكذلك الإيمان حتى يتم‏.‏

وسألتك هل قاتلتموه‏؟‏ فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لها العاقبة‏.‏

وسألتك هل يغدر‏؟‏ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر‏.‏

وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله‏؟‏ فزعمت أن لا، فقلت‏:‏ لو قال هذا القول أحد من قبله قلت‏:‏ رجل إئتم بقول قيل قبله‏.‏

ثم قال‏:‏ فبم يأمركم‏؟‏ قلت‏:‏ يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصلة، والعفاف، قال إن يكن ما تقول حقا إنه لنبي، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لا حببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي‏.‏

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فإذا فيه ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد‏:‏

فإني أدعوك بدعاية إذ أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك لعنة الأريسيين و ‏(‏يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا أشهد بأنا مسلمون‏)‏ فلما قرأه، وفرغ من قراءة الكتاب، ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا‏.‏

ثم أذن هرقل عظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمرا بأبوابها فغلقت، ثم أطلع فقال‏:‏ يا معشر الروم‏!‏ هل لكم في الفلاح والرشد، وأن تثبت مملكتكم فتبايعوا هذا النبي‏؟‏ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد‏(‏ص 34‏)‏ غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال‏:‏ ردوهم علي، فقال‏:‏ إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له، ورضوا عنه‏.‏

فهذا ملك الروم، وكان من علمائهم أيضا، عرف وأقر أنه نبي، وأنه سيملك ما تحت قدميه، وأحب الدخول في الإسلام، فدعى قومه إليه فولوا عنه معرضين كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة، فمنعه من الإسلام الخوف على ملكه ورياسته، ومنع أشباه الحمير ما منع الأمم قبلهم‏.‏

ولما عرف ‏(‏‏(‏النجاشي ملك الحبشة‏)‏‏)‏ أن النصارى لا يخرجون عن عبادة الصليب إلى عبادة الله وحده أسلم سرا، وكان يكتم إسلامه بينهم هو وأهل بيته، ولا يمكنه مجاهرتهم‏.‏

ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل إليه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، مكانه يدعوه إلى الإسلام،

فقال له عمرو‏:‏ يا أصحمة‏!‏علي القول وعليك الاستماع، إنك كأنك في الرقة علينا منا وكانا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد، وقاض لا يجور، وفي ذلك موقع الحز، وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم‏.‏

وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه لخبر سالف، وأجر منتظر، فقال النجاشي‏:‏ أشهد بالله إنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وإن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وإن العيان ليس بأشفى من الخبر‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة‏:‏ أسلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، حملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده‏.‏

وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله إليك، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت، ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى‏)‏‏)‏‏.‏

فكتب إليه النجاشي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد‏:‏

فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا، إنه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قر بنا‏(‏ص 35‏)‏ ابن عمك وأصحابه، فأشهد إنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين‏.‏

و‏(‏‏(‏التفروق‏)‏‏)‏‏:‏ علامة تكون بين النواة والتمرة‏.‏

*2*قصة المقوقس

*3*  ‏(‏فصل‏)‏ دعوة ملك مصر إلى الإسلام

وكذلك ‏(‏‏(‏ملك دين النصرانية بمصر‏)‏‏)‏ عرف أنه نبي صادق، ولكن منعه من اتباعه ملكه، وأن النصارى لا يتركون عبادة الصليب، ونحن نسوق حديثه وقصته‏.‏

قال الواقدي‏:‏ كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد‏:‏

فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط ‏(‏يا أهل الكتب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون‏)‏ وختم الكتاب‏.‏

فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية، فانتهى إلى حاجبه، فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال حاطب للمقوقس لما لقيه‏:‏ إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ‏(‏فأخذه الله نكال الآخرة والأولى‏)‏ فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك غيرك، قال‏:‏ هات، قال‏:‏

إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به، فقال المقوقس‏:‏ إني قد نظرت في أن هذا النبي، فرأيته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آلة النبوة من إخراج الخبء، والإخبار بالنجوى، ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال القبط‏:‏ لا يطاوعونني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا أضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على بلادي وينزل بساحتي هذه أصحابه من بعده، فارجع إلى صاحبك‏.‏

وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتبا له يكتب العربية، فكتب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد‏:‏

فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعوا إليه، وقد علمت أن نبيا بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة ‏(‏ص 36‏)‏، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك، ولم يزد‏.‏

‏(‏‏(‏والجاريتان‏)‏‏)‏‏:‏ مارية، وسيرين‏.‏ و‏(‏‏(‏البغلة‏)‏‏)‏‏:‏ دلدل، وبقيت إلى زمن معاوية، قال حاطب‏:‏ فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه‏)‏‏)‏‏.‏

*2*قصة ابني الجلندي

*3*  ‏(‏فصل‏)‏ دعوة ملكا عمان إلى الإسلام

وكذلك ‏(‏‏(‏ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها‏)‏‏)‏ من ملوك النصارى، أسلما طوعا واختيارا، ونحن نذكر قصتهما، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما، وهذا لفظه‏:‏

‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى حيفر وعبيد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد‏:‏

فإني أدعوكما بداعية الإسلام أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين، وأنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما مكانكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما‏)‏‏)‏‏.‏

وختم الكتاب، وبعث به مع عمرو بن العاص قال عمرو‏:‏ فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها انتهيت إلى عبيد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت‏:‏ إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك، فقال‏:‏ أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال لي‏:‏ وما تدعو إليه‏؟‏ قلت‏:‏ أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال‏:‏

يا عمرو، إنك سيد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة‏؟‏ قلت‏:‏ مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وكنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال‏:‏ فمتى تبعته‏؟‏ قلت‏:‏ قريبا، فسألني‏:‏ أين كان إسلامي‏؟‏ فقلت‏:‏ عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال‏:‏ فكيف صنع قومه بملكه‏؟‏ قلت‏:‏ أقروه، قال‏:‏ والأساقفة والرهبان‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ انظر يا عمرو، ما تقول إنه ليس خصلة في رجل أفضح له من كذب، قلت‏:‏ ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال‏:‏ ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت‏:‏ بلى، قال‏:‏ بأي شيء علمت ذلك‏؟‏ قلت كان النجاشي يخرج له خراجا، فلما أسلم وصدق بمحمد، قال‏:‏ لا والله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له نياق أخوه‏:‏ أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا‏؟‏

قال هرقل‏:‏ رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به، والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال‏:‏ انظر ما تقول يا عمرو‏؟‏ قلت‏:‏ والله لقد صدقتك، قال‏:‏ عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه‏؟‏ قلت‏:‏ يأمر بطاعة الله عز وجل، وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر، وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وشرب الخمر، وعن عبادة الحجر، والوثن، والصليب، فقال‏:‏ ما ‏(‏ص 37‏)‏ أحسن هذا الذي يدعوا إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد، ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه، ويصير دينا، قلت‏:‏ إنه أن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم، قال‏:‏ إن هذا لخلق حسن، وما الصدقة‏؟‏

فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل، فقال‏:‏ يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر، وترد المياه‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم، فقال‏:‏ والله ما أرى قومي في بعد دارهم، وكثرة عددهم، يطيعون بهذا، قال‏:‏ فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي، فقال‏:‏

دعوه، فأرسلت، فذهبت لأجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال‏:‏ تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوما، ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه، فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، ثم قال‏:‏ ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت‏؟‏ فقلت‏:‏ اتبعوه، إما راغب في الإسلام وإما مقهور بالسيف، قال‏:‏ ومن معه‏؟‏

قلت‏:‏ الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة، وإن أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل، ويبيد خضرائك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال، قال‏:‏ دعني يومي هذا وارجع إلى غدا‏.‏

فرجعت إلى أخيه فقال‏:‏ يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه فأخبرته إني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال‏:‏ إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا يبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقا، قلت‏:‏ وأنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه، فقال‏:‏ ما نحن فيما قد ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه‏.‏

فأصبح، فأرسل إليّ، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونا على من خالفني‏.‏

*2*صاحب اليمامة

*3*‏ (‏فصل‏)‏ دعوة صاحب اليمامة إلى الإسلام

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوادة بن علي الحنفي ‏(‏‏(‏صاحب اليمامة‏)‏‏)‏‏:‏بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، أجعل لك ما تحت يدك‏.‏

وكان عنده أركون دمشق عظيم من عظماء النصارى، فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وقال‏:‏قد جاءني كتابه يدعوني إلى الإسلام فقال له‏:‏ الأركون لم لا تجيبه‏؟‏ فقال‏:‏ضننت‏(‏ص 38‏)‏

بديني، وأنا ملك قومي إن اتبعته لم أملك، قال‏:‏بلى، والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه، وإنه للنبي العربي بشر به عيسى ابن مريم والله إنه لمكتوب عندنا في الإنجيل‏.‏

*2*قصة الحارث

*3*‏ (‏فصل‏)‏ دعوة الحارث بن أبي شمر إلى الإسلام

وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شجاع بن وهب إلى ‏(‏‏(‏الحارث ابن أبي شمر‏)‏‏)‏ وهو بغوطة دمشق، فكتب إليه مرجعه من الحديبية ‏(‏‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحرث ابن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك‏)‏‏)‏‏.‏

وختم الكتاب، فخرج به شجاع بن وهب، قال‏:‏فانتهيت إلى حاجبه فأجده يومئذ وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله عز وجل‏.‏

قال‏:‏ فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه‏:‏ إني رسول رسول الله إليه فقال حاجبه‏:‏لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه وكان روميا اسمه‏:‏ مرى، يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه‏؟‏ فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول‏:‏ إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه‏.‏

فكنت أراه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض العرب، فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث ابن أبي شمر أن يقتلني‏.‏

قال شجاع‏:‏فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي، ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول‏:‏ هو يخاف قيصر، قال‏:‏ فخرج الحارث يوما وجلس فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، وقال‏:‏ من ينتزع مني ملكي‏؟‏ ‏!‏أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس، فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل، وأمر بالخيل أن تنعل‏.‏

ثم قال‏:‏أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري فصادف قيصر بإيليا وعنده دحية الكلبي قد بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه وأنه عنه ووافني بإيليا‏.‏

قال‏:‏ورجع الكتاب وأنا مقيم، فدعاني، وقال‏:‏متى تريد أن تخرج إلى صاحبك‏؟‏ قلت‏:‏غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهبا، ووصلني مرى بنفقة وكسوة، وقال‏:‏أقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وأخبره أني متبع دينه‏.‏

قال‏:‏شجاع فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال‏:‏‏(‏‏(‏باد ملكه‏)‏‏)‏ وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏‏(‏صدق‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ص 39‏)‏

ونحن إنما ذكرنا بعض ملوك الطوائف الذين آمنوا به، وأكابر علمائهم وعظمائهم، ولا يمكننا حصر من عداهم وهم جمهور أهل الأرض، ولم يتخلف عن متابعته إلا الأقلون، وهم إما مسالم له قد رضي بالذلة والجزية والهوان، وإما خائف منه فأهل الأرض معه ثلاثة أقسام‏:‏مسلمون له، ومسالمون له، وخائفون منه‏.‏

*2* قصة عبد الله بن سلام

ولو لم يسلم من اليهود في زمنه إلا سيدهم على الإطلاق وابن سيدهم وعالمهم وابن عالمهم باعترافهم له بذلك وشهادتهم ‏(‏‏(‏عبد الله بن سلام‏)‏‏)‏ لكان في مقابلة كل يهودي على وجه الأرض فيكف وقد تابعه على الإسلام من الأحبار والرهبان من لا يحصى عددهم إلا الله، ونحن نذكر قصة عبد الله بن سلام‏.‏

فروى البخاري في صحيحه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك، قال‏:‏أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقالوا‏:‏

جاء نبي الله، فاستشرفوا ينظرون إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم منه، فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله‏.‏

فلما خلا نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام، فقال‏:‏أشهد أنك نبي الله حقا وأنك جئت بالحق، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ‏.‏

فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏يا معشر اليهود ويلكم‏!‏اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق، أسلموا‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ما نعلمه فأعادها عليهم ثلاثا وهم يجيبونه، كذلك قال‏:‏‏(‏‏(‏أي رجل فيكم عبد الله بن سلام‏؟‏‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال ‏(‏‏(‏أفرأيتم إن أسلم‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏حاشا لله ما كان ليسلم، فقال‏:‏‏(‏‏(‏يا ابن سلام اخرج عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

فخرج إليهم، فقال‏:‏يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله‏!‏ فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا، وأنه جاء بالحق، فقالوا‏:‏ كذبت فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي صحيح البخاري أيضا من حديث حميد عن أنس، قال‏:‏

سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض له، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي‏:‏

ما أول أشراط الساعة‏؟‏

وما أول طعام أهل الجنة‏؟‏

وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أخبرني بهن جبريل آنفا‏)‏‏)‏ قال‏:‏جبريل‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏ قال‏:‏ ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال‏:‏‏(‏‏(‏ثم قرأ هذه الآية ‏(‏من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على ‏(‏ص 40‏)‏ قلبك بإذن الله‏)‏ أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني، فجاءت اليهود إليه، فقال‏:‏‏(‏‏(‏أي رجل فيكم عبد الله بن سلام‏)‏‏)‏‏؟‏ قالوا‏:‏خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏أعاذه الله من ذلك‏.‏

فخرج عبد الله فقال‏:‏أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، قالوا‏:‏شرنا وابن شرنا‏.‏ وانتقصوه، قال‏:‏هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله‏.‏

وقال ابن إسحق‏:‏ حدثني عبد الله ابن أبي بكر، عن يحي بن عبد الله، عن رجل من آل عبد الله بن سلام، قال‏:‏كان من حديث عبد الله بن سلام حين أسلم، وكان حبرا عالما، قال‏:‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيأته والذي كنا نتوكف له، فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏.‏

فلما قدم نزل معنا في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبرت‏.‏

فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري‏:‏لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت، قال‏:‏ قلت لها‏:‏ أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به، فقالت‏:‏يا ابن أخي أهو النبي الذي كنا نبشر به أنه يبعث مع نفس الساعة‏؟‏ قال‏:‏قلت لها‏:‏نعم، قالت‏:‏فذاك إذا‏.‏

قال‏:‏ ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، وكتمت إسلامي من اليهود‏.‏

ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏إن اليهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك تغيبني عنهم ثم تسألهم عني كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني، قال‏:‏فأدخلني بعض بيوته، فدخلوا عليه فكلموه وسألوه، فقال لهم‏:‏

‏(‏‏(‏أي رجل عبد الله بن سلام فيكم‏؟‏‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا، قال‏:‏فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم‏:‏يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه‏.‏

قالوا‏:‏كذبت، ثم وقعوا فيّ، فقلت‏:‏يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور‏؟‏ قال‏:‏فأظهرت إسلامي وأسلم أهل بيتي وأسلمت‏(‏ص 41‏)‏ عمتي ابنة الحارث فحسن إسلامها‏.‏

وفي مسند الإمام أحمد وغيره عنه قال‏:‏لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وانجفل الناس قبله، فقالوا‏:‏قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏فجئت في الناس لأنظر إلى وجهه، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته منه أن قال‏:‏‏(‏‏(‏يا أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام‏)‏‏)‏‏.‏

فعلماء القوم وأحبارهم كلهم كانوا كما قال الله عز وجل‏:‏‏(‏الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‏)‏فمنهم من آثر الله ورسوله والدار الآخرة، ومنهم من آثر الدنيا وأطاع داعي الحسد والكبر‏.‏

وفي مغازي موسى بن عقبة عن الزهري، قال‏:‏كان بالمدينة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثان تعبدها رجال من أهل المدينة لا يتركونها، فأقبل عليهم قومهم وعلى تلك الأوثان فهدموها، وعمد أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن أخطب وهو أبو صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع منه وحادثه، ثم رجع إلى قومه وذلك قبل أن تصرف القبلة نحو المسجد الحرام‏.‏

فقال أبو ياسر‏:‏يا قوم أطيعوني فإن الله عز وجل قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه، فانطلق أخوه حيي حين سمع ذلك - وهو سيد اليهود يومئذ وهما من بني النضير -

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إليه، وسمع منه فرجع إلى قومه وكان فيهم مطاعا، فقال‏:‏أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا أبدا، فقال له أخوه أبو ياسر‏:‏يا ابن أمي أطعني في هذا الأمر، ثم اعصني فيما شئت بعده لا تهلك، قال‏:‏لا والله لا أطيعك واستحوذ عليه الشيطان فاتبعه قومه على رأيه‏.‏

وذكر ابن إسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر عمن حدثه عن صفية بنت حيي، أنها قالت‏:‏لم يكن من ولد أبي وعمي أحد أحب إليهما مني لم ألقهما في ولد قط إلا أخذاني دونه‏.‏

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبا نزل في نبي عمرو بن عوف، فغدا إليه أبي وعمي أبو ياسر ابن أخطب مغلسين، فوالله ما جاءا إلا مع مغيب الشمس، فجاءا فاترين كسلين ساقطين يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي‏:‏أهو هو‏؟‏ قال‏:‏نعم والله، قال‏:‏تعرفه بنعته وصفته‏؟‏ قال‏:‏نعم والله، قال‏:‏فماذا في نفسك منه‏؟‏ قال‏:‏عداوته والله ما بقيت‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسد بن شعبة وأسيد بن ‏(‏ص 42‏)‏

عبيد، ومن أسلم من اليهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام، قال من كفر من اليهود‏:‏ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله عز وجل في ذلك‏:‏‏(‏ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين‏.‏